الإنسان والتنمية المجتمعية.. روشتة نجاح

استكمالا لحديثنا الذي بدأناه في العدد السابق »الربحيةالمجتمعيةللجنيه«،ونظًرا لأهمية الموضوع في دعم وتنمية قطاع يمثل أهم مصادر التنمية المجتمعية، وقد قامت على أكتافه كثيرمن الاقتصاديات الناهضة في عدد كبيرمن البلدان النامية، وهو قطاع المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر-نقدم في سطورقليلة »روشتة نجاح » بإمكاننا الاستفادة منها في إحداث التنمية الحقيقية على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، من خلال أدوات التمويل المتوافقة مع الشريعة الإسلامية. فعلى الرغم من أن هناك العديد من المبادرات في هذا المجال، فإننا لم نشعر بأثرها بشكل ملموس على حياتنا، أو مجتمعاتنا، فما المشكلة إذن؟

الممارسة العملية والعمل في هذا القطاع جزء من خبرات متراكمة يمكن من خلالها الذهاب إلى أّن التنمية بمعناها الواسع تعتمدعلى عدة عوامل ُيمكن أن ُنجملها في ثلاثة عناصر: الأول: الإنسان الذي يقوم بالمشروع، الثاني: توفير التمويل اللازم للمشروع، أما العنصر الثالث فهو البيئة التشريعية والاقتصادية.

وبحكم أن العنصر الأول هو موضوعنا الرئيسي الذي سنركز عليه في هذاالمقال..نبدأبالعنصر الثاني، وهو توفير التمويل اللازم للمشروع، والصيغ التي يتم بها توظيف هذا التمويل؛ فإن توفير الموارد اللازمة لتمويل المشروعات الصغيرة يمكن أن يكون من خلال الوقف أو الزكاة، وأن يتم هذا التمويل بالقرض الحسن . وهناك أيضا العديد من الصيغ التي يمكن استخدامها، والتي تلائم الطبيعة المختلفة للمشروعات، بل والعملاء؛ من حيث الخبرة بالمشروع وبكيفية الإدارة، مثل المرابحة، والمضاربة، والمشاركة، وغيرها.

أما العنصر الثالث الخاص بالبيئة التشريعية والاقتصادية،فإن الدول التي تتبنى تحقيق التنمية من خلال المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر تعمل على سِّن القوانين ،وتقديم الحوافز التي تساعد على إنشاء ونمو تلك المشروعات. وإذا عدنا إلى العنصر الأول »الإنسان« وجدناه دائما يقف في مقدمة الأسباب التي تقف وراء عدم تحقيق المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر أهداَفها المطلوبة؛ حيث نجد مؤسسات التمويل تبحث عن المتَمول (طالب التمويل)المناِسب ّممن يتقدم إليها، وهم كثيرون،ممايسبب ضغطا على مسئولي الائتمان بتلك المؤسسات لدراسة كل هذه الطلبات، ناهيك عن أن تلك الدراسة لا تتطرق بشكل مناسب إلى الجوانب الإنسانية التي تضمن نجاح هذه النوعية من المشروعات، وبالتالي تكون النتيجة أموالا راكدة معطلة غير مستثمرة، أويتم منح التمويلات لأفراد يفتقرون إلى التأهيل اللازم، ليكونوا أصحاب مشروع قادرين على إدارته؛ إذ ليس كل صاحب مهنة يستطيع أن يكون صاحب مشروع؛ فلا بد إذن من الحصول على التأهيل اللازم لذلك، وهو ما لا توفره الجهات المانحة، ولاتتأكد منه قبل المنح، وإنما ينصب اهتمامها بطبيعة النشاط أو  ِالحرفة التي سيتم تمويلها، ولا تتم دراسة طالب التمويل من حيث مدى كفاءته وقدرته على إدارة المشروع.
من زاوية أخرى، نجد أن هناك نماذج واعدة 
من مؤسسات العمل المجتمعي لديها رؤية صادقة لتحقيق التنمية على الأرض، متجاوزة توزيع تبرعات هنا وهناك »مفهوم الربحية المجتمعية للجنيه«؛ حيث وضعت خطة للتنمية الشاملة

وراعت فيها أولا وقبل أّي شيء تنمية الإنسان من خلال الاستثمار فيه، فَعِملت تلك المؤسسات على تنمية وتأهيل الإنسان؛ حتى يصبح قادًرا على تحمل مسئولية مشروع. فبدأت بعد تحديد المهن والحرفة المستهدفة  بحسن اختيار الأفراد الذين يمكن أن تستثمر فيهم، وبعد مرحلة الاختيار، تبدأ مرحلة التعليم والتأهيل، ولا يقصد هنا تعلم القراءة والكتابة فقط، وإنما تعلم التعاون والمشاركة والمثابرة والصبر، وغيرها من الأخلاقيات التي تحقق للإنسان خلافته على الأرض، كما أرادها االله سبحانه، ثم ُحسن إدارة الوقت، وحل المشكلات، ثم كيفية إدارة مشروع من حيث إدارة الموارد والاستخدامات، وتحديد احتياجاته، ثم حصر وتسجيل الإيرادات والمصروفات، ومن ثم يتضح مدى تطور ونجاح ونمّوالمشروع.كل ذلك بالتوازي مع تعلم الحرفة أو المهنة التي سبق أن اختارهابنفسه،ولم يكن مجبًرا عليها؛ حتى يشعر أنها تناسب شغفه ، وهذا أمر عظيم، ليكون دافًعا ومحرًكا داخليا للاستمرار والتقدم ومواجهة التحديات؛ إذ لا تخلو الحياة من تحديات، خاصة مع الناجحين. وهذا التعليم يكون له شقان: أحدهما نظري يتعلم فيه الأسس والتعليمات والإجراءات، والآخر عملي يطبق فيه ما تعلم ويجرب بنفسه، فتختمر المعلومات في عقله، فتستجيب باقي أعضائه بسهولة ويسر، ويصبح عمله متعته.وهنا فقط نستطيع أن نقول إن لدينا مشروعا قابلا للنجاح، وأعتقد أنهاالخطوة الأهم. وباستقراء الواقع العملي ُوجدأن تلك المؤسسات لا تستطيع أن توفر لجميع الأفراد الذين تم تأهيلهم التمويَل اللازم الذي يسمح بشراء الأدوات والعدد التي ُتمكنهم من بدء مشروعهم - (حلمهم) – فتكتفي في حدود إمكاناتها المالية بأن توفر العدد والأدوات اللازمة لبعض الأفراد الذين لم يتعدوا ثلث العدد الذي َّتم تعليمه وتدريبه في حالتنا هذه.
وهنا نستطيع أن نرى صورة ينقصها فقط أن تتكامل؛ لتصبح لوحة من النجاح، فيظهر دور التكامل بين تلك المؤسسات، فتقوم مؤسسات التمويل بتقديم التمويل المناسب للأفراد الذين تم 
تأهيلهم وإعدادهم مسبقا، ولم يشملهم التمويل. وحتى يكون الأمر ذا جدوى أكبر، ويسير بشكل ُممنهج يمكن أن يتم توقيع بروتوكولات تعاون بين جمعيات ومؤسسات العمل المجتمعي، وبين مؤسسات التمويل، وتتحدد الأدوار بما يتناسب مع كل منهما؛بحيث تقوم مؤسسات العمل المجتمعي على تدريب وتأهيل الأفراد بالشكل اللازم؛ لتجعلهم قادرين على تحقيق أحلامهم وبناء مشروعاتهم، ثم يأتي دور مؤسسات التمويل، لكن ليس فقط في تقديم التمويل من خلال تلك المؤسسات أو بشكل مباشر مع أصحاب المشروعات المستهدفين، وإنما في اختيار صيغة التمويل الأنسب، سواء للمشروع أو لصاحب المشروع، فكما تعلمون أن التمويل الإسلامي يتمتع بصيغ متعددة تختلف باختلاف المهنة والنشاط الاقتصادي، والمخاطر، بل وبمدى تأهيل الأفراد أصحاب المشروع، حتى يكون التمويل مساعدا للمشروع وللقائم عليه، وليس عبًئا عليه.
ولنا أن نتخيل ماذا لو قام كل
 بدوره؛ يبدأ بعضنا الطريق، ثم يستكمله من بعده، لنتخيل معًا مقدار النجاح الذي تجنيه الأطراف كافة ،فينتفع به المجتمع كله؛ إذ النجاح ليس صدفة، وهو لا يقوم على عنصر واحد،ولكّنه بناء يحدث وفَق خطة تجمع بين الأدوار جميعها، أساسها الإنسان. 

Courses