التمويل الإسلامي للمشروعات الصغيرة.. وفرص التنمية المستدامة

يعد التمويل الأصغر الإسلامي أحد نوافذ التمويل والاستثمار المتوافقة مع الشريعة، الموجهة لخدمة قطاع المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر، وهو يمثل اقتران لصناعتين هامتين في تحقيق التنمية. فالتمويل الإسلامي حقق نمواً كبيراً وأصبح صناعة رائجة تتبناها كافة الدول إسلامية أو غير إسلامية لما له من تأثير كبير في استقرار الاقتصاد وتجنب الأزمات المالية التي تسبب فيها الاقتصاد

الرأسمالي. أما التمويل الأصغر فيعد أحد أهم آليات تنمية


المجتمعات الفقيرة اجتماعًّيا،واقتصادًّيا،وتقليلا لفجوة الطبقية بين شرائح المجتمع، فقد ساهم في تحقيق التنمية للعديدمن المجتمعات التي تبنته، وأشهرهذهالتجارب، تجربة بنك جرامين في بنجلاديش، وبنك راكيات في إندونيسيا، والتي بدأت في أوائل السبعينيات من القرن السابق؛ حيث ساهمت برامج التمويل الأصغر في هذه الدول في تحقيق معدلات كبيرة في التخفيف من حدة الفقر،

وتقليل الفجوة الطبقية بين شرائح المجتمع المختلفة. في هذا الإطار، فقد تبنت العديد من الدول من خلال مؤسساتها علي مستوى القطاع الخاص والعام إنشاء برامج متخصصة لتقديم التمويل الأصغر الإسلامي، وحققت من خلالها نتائج مذهلة في تنمية المجتمع اقتصاديا واجتماعياً، ومنها: برنامج »أمانة اختيار ماليزيا«(AIM)، والذي بدأ نشاطه عام 1٩٨٦م بمنح قروض حسنة بدون فوائد بحد أقصى10 آلاف رينجت ماليزي، لتمويل المشروعات في مجال الزراعة، والصيد، والتجارة، ثم قدم البرنامج التمويل من خلال منتج المرابحة لتشجيع عملائه على زيادة النشاط التجاري ذي العائد العالي نسب ًّيا، الذي ثبتت فاعليته، وانعكست آثاره بشكل جيد على عملاء البرنامج؛ حيث ارتفعت معدلات منح التمويلات من »أمانة اختيار (AIM)« عاًم 2014م لتصل إلى أكثر من 12 مليار رينجت ماليزي، فضلا عن الزيادة في عدد العملاء، التي وصلت إلى 354422،مقارنة بعدد20عميًلا فقط في بداية النشاط، وهو ما يعني مشاركة »أمانة اختيار« بدور كبير في التصدي

لمشكلة الفقر، ومواجهة المشكلات الاقتصاديةوالاجتماعية في المجتمع الماليزي. وهناك برنامج »المشروعات الصغيرة » الذي ينفذه بنك الأمل في اليمن، الذي اختارته شبكة التمويل الأصغرالأوروبية »The European Micro Finance Platform-e-MFP« نموذج نجاح لإحدى أهم التجارب العالمية في دعم الشباب وتمكينهم عام 2014، وفي

عام 2020 حصل البنك على 4 جوائز عالمية وإقليمية. كما تقوم برامج »عبداللطيف جميل« في المملكة العربية السعودية، بدعم المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر بأساليب تمويلية تتوافق مع الشريعة الإسلامية، وقد انطلقت فكرة برامجه عام 2003م، ليس لخدمة المجتمع السعودي فحسب، بل المجتمع العربي والإسلامي كله، والموجهة للرجال والنساء، ولضمان نجاح المشروعات الممولة،وّفرت المؤسسة(شركات محمدجميل لضمان القروض) تقديم ضمانات للقروض الممنوحة من الشركة لمعالجة مشكلات تعثر العملاء، بما يخدم هدفها في مساعدة الفقراء، وتخفيضها إلى النصف خلال الأعوام

القليلة القادمة. وقد استطاعت شركة »جرامين جميل« في المملكة العربية السعودية، والتي تمثل وسيلة للتخفيف من حدة الفقر من خلال توفير المساعدة التقنية والمالية لمؤسسات التمويل الصغير، تقديم تمويل للمشروعات الصغيرة والمتناهية بنحو 53 مليون دولار أمريكي، وانتفع بهذا التمويل ما يقرب من 520000 عميل من خلال مؤسسات التمويل الأصغر في منطقة الشرق الأوسط في عام 2010م، وتعمل مؤسسة »جرامين جميل« في تسعة بلدان، هي: مصر، الأردن، لبنان، المغرب، فلسطين، سوريا، تونس، تركيا، واليمن، كما تمثل المشروعات المتوسطة والصغيرة ما نسبته ٨٨-٩0٪ من إجمالي المشروعات العاملة بالمملكة العربية السعودية. لقد قدمت جرامين جميل- وهي شراكة بين مؤسسة جرامين ومجموعة عبداللطيف جميل- حتى ديسمبر 2013م، أكثر من 24 مليون دولار في شكل ضمانات مالية، أسهمت في تشجيع البنوك التجارية بالمنطقة العربية على منح مؤسسات التمويل الأصغر نحو 5٦ مليون دولار، كما قدمت قروًضا تجاوزت 14مليار دولار بشكل مباشر لشركائها من مؤسسات التمويل الأصغر البالغ عددها نحو 1٩ مؤسسة، كما قدمت المؤسسة من خلال مبادرة »باب رزق جميل«- التي تهدف إلى خلق جيل من الشباب المؤهل والمدرب تدريباعالًيًا يتناسب مع احتياجات سوق العمل– قدمت 4٦0 ألف فرصة عمل للشباب داخل المملكة، ونحو 50 ألفًا ف يمصر،كماأسهمت في توفيرنحو7500فرصة عمل في المغرب، وفي تركيا أسهمت بنحو 3500 فرصة عمل، جميعها تقع في إطار المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر

(برامج الأسر المنتجة الأعمال المنزلية). وبهدف كفالة مخاطر تمويل المنشآت متناهية الصغر

والصغيرة والمتوسطة، أنشأ صندوق التنمية الصناعية السعودي»برنامج كفالة«،الذي يعمل وفًقا لمبادئ الشريعة الإسلامية،وطبًقا لمجموعة من الشروط والضوابط المحددة بملف الإجراءات والتعليمات المنظمة للكفالة، تصل نسب الكفالة إلى 75٪ من قيمة التمويل، وقد نجح البرنامج منذ إطلاقه وحتى نهاية الربع الأول من عام 2014م، في اعتماد 7٩32 كفالة، استفادت منها 4371 منشأة صغيرة

ومتوسطة. وفي ذات السياق، أٌنشأ صندوق »الخليج العربى لمنظمات لأمم المتحدة الإنمائية أجفند« (AGFUND)، كمؤسسة إنمائية إقليمية غير هادفة للربح، ومقرها المملكة العربية السعودية، وتهتم بدعم جهود التنمية البشرية المستدامة للفئات الأكثر احتياًجا في الدول النامية،خاصة النساء والأطفال، ودون أي تمييز على أساس اللون، أو الجنس، أو الانتماء السياسي. ويدعم الصندوق إنشاء بنوك الفقراء عبر العديد من الدول العربية، منها: بنك الأمل للائتمان الأصغر في اليمن، والبنك الوطني لتمويل المشروعات الصغيرة في الأردن، وبنك الرجاء للائتمان الأصغر في لبنان، كما تم تأسيس بنك الإبداع للتمويل متناهي الصغر في كل من البحرين، ولبنان، والسودان، وفلسطين وسوريا، وموريتانيا، وسيراليون غرب إفريقيا، ولدى الصندوق خطط لبرامج مشابهة بالمغرب

وتونس، والفلبين. لقد أسهم (أجفند) منذ إنشائه وحتى عام 2007م، في

دعم وتمويل 1125 مشروًعا استفادت منها131 دولةفي آسيا، وإفريقيا، وأمريكا اللاتينية، وأوروبا الشرقية، قدمها البرنامج من خلال تعاونه مع 1٩ منظمة أممية ودولية، و207 جمعيات أهلية عربية، إضافة إلى عدد من الجهات الحكومية، والمنظمات، والمؤسسات الدولية والإقليمية الأخرى،وقدغطت إسهامات(أجفند)4قطاعات أساسية، هي: الصحة، والتعليم، والبناء المؤسسي، ومكافحة الفقر، بالإضافةإلى المعونات العاجلة لإغاثة ضحاياالحروب والكوارث الطبيعية. وبالرغم من كل ما سبق والذي يؤكد الدور الذي يمكن أن يقوم به التمويل الأصغر الإسلامي في تحقيق التنمية المستدامة، إلا أن حجم قطاع التمويل الأصغر الإسلامي مازال ضئيل مقارنة بأجمالي حجم الصناعة، وهو ما انعكس على ضآلة نسبته ،والتي لاتمثل سوى 1٪ من إجمالي مشاريع التمويل الأصغرعلى مستوى العالم،حسب

إحصاءات عام 2021. من هنا أصبح هناك حاجه ملحة لانفتاح التمويل الإسلامي بشكل أوسع على قطاع التمويل الأصغر، خاصة وأن استراتيجيات تقليل الفقر والبطالة وتحسين نسب الشمول المالي، تعتبر كلها غايات من صميم أهداف وغايات ومبادئ التمويل الإسلامي. 

Courses