مؤتمر آليات تطبيق الصكوك - تجارب دولية
وسط التَّقلُّبات الاقتصادية العاتية كانت مُنقذًا لعديد من الدول التى طبَّقتها.. وبين هزَّات أسواق المال العالمية كان حَمَلَتُها فى حصن أمين من المخاطر مقارنة بغيرهم.. إنها الصكوك أحد أهمِّ أدوات التمويل الإسلامي، التى وجدت فيها دول كثيرة - إسلامية وغير إسلامية - طوق نجاة من عجز الموازنة، وبديلًا مثاليًا، ليس فقط لتوفير متطلبات السيولة، بل أيضًا طريقة مُثلى لاستغلال الفوائض المالية وزيادة معدلات الادخار القومي، كما تُوفِّر فى الوقت نفسه التمويل اللازم لجميع المشروعات التنموية.
وفى ضوء التعديلات الأخيرة بقانون سوق المال فى مصر، والذى تضمَّن الصكوك بتعديلاته الأخيرة وصدور اللائحة التنفيذية مؤخرًا، جاء مؤتمر آليات تطبيق الصكوك - تجارب دولية الذى نظَّمته الجمعية المصرية للتمويل الإسلامي، برعاية هيئة الرقابة المالية، وأكد جميع المشاركين فيه - من دول مختلفة - أن مستقبل الصكوك فى مصر واعد ومُبهر، وسيكون جاذبًا لمزيد من المستثمرين من الداخل والخارج؛ لأنه يُوفِّر لهم التسهيلات المطلوبة التى تشجعهم على الاستثمار.
وعند تناول الصكوك يجب ألا نكتفى بالحديث عنها من منطلق أنها أداة تمويل إسلامي، وإنما يجب تناولها من المنظور الواقعى التى أصبحت عليه الآن، كونها تخطَّت حدود الجغرافيا العربية والإسلامية، وأصبحت إحدى أهمِّ الأدوات المالية فى كثير من الأسواق الغربية قبل العربية والإسلامية.
ولأن النجاح فى إصدارها يعتمد فى جزء كبير منه على دراسة تجارب الآخرين، ويكتمل بتكامل التشريعات والإجراءات، جاءت الأوراق البحثية وجلسات مؤتمر الجمعية لتُغطِّى جميع الجوانب اللازمة لتأكيد نجاحها، حيث إن الاستفادة من تجارب الآخرين تُعوِّض «نسبيًا» التأخير فى إصدارها.
وإلى تفاصيل جلسات المؤتمر:
فى البداية أكَّد المشاركون فى مؤتمر «آليات تطبيق الصكوك - تجارب دولية» الذى نظَّمته الجمعية المصرية للتمويل الإسلامي، برعاية هيئة الرقابة المالية، على ضرورة تطوير البنية المؤسساتية المالية المصرية العاملة فى مجال إدارة محافظ الأوراق المالية وإدارة الأصول وترويج وطرح الاكتتابات لاحتواء تطبيقات الصكوك المختلفة، والتأهيل السريع للكوادر البشرية المعنية بمراحل تطبيقات منظومة الصكوك، وصقل مهاراتهم بأحدث المعارف والأدوات المهنية فى هذا المجال، وتجهيز وتطوير نُظُم المعلومات المتخصصة لإدارة عمليات طرح وتداول الصكوك ومتابعة محافظ الصكوك المختلفة، وإجراء التسويات المالية اللازمة، وذلك من خلال التعاون مع الجهات الدولية المانحة، مثل البنك الإسلامى للتنمية، وإجراء تقييم المخاطر لجميع مراحل تطبيقات الصكوك المختلفة ووضع خطة فعَّالة للتعامل معها.
وفى السياق نفسه أكَّد المشاركون أن مصر تمثل سوقًا واعدًا للصكوك، حيث ستستفيد من التجارب الدولية، وتعمل على تجنُّب التحديات والمخاطر التى مرَّت بها الدول التى خاضت التجربة، كما طالبوا بنشر التوعية بالعلوم المالية الإسلامية وتطبيقاتها المُستحدثة فى مصر والوطن العربي، خاصة أن الرؤية الحالية لتطبيقات الصكوك مباشرة فى مصر، وأن الدولة والمؤسسات المالية المعنية باتت جادَّة فى العمل على تفعيلها.. وعرضوا لتجارب الدول الإسلامية والعربية، وحتى غير الإسلامية، فى الصكوك على المستوى العالمي، مما يجعلها إحدى أهمِّ الأدوات التمويلية فى مصر، وسيكون لها دور تنموى مهم فى ضوء بنود الصكوك فى قانون سوق المال المصرى واللائحة التنفيذية التى صدرت عام 2018.
دعم المؤسسات المالية الإسلامية
فى البداية تحدَّث الدكتور محمد البلتاجي، رئيس مجلس إدارة الجمعية المصرية للتمويل الإسلامي، فأوضح أن الجمعية مُنظَّمة غير ربحية تم تأسيسها طبقًا لأحكام القانون المصرى رقم 84 لسنة 2008 بشأن الجمعيات والمؤسسات الأهلية بتاريخ 19 فبراير 2012، وتضم مجموعة من الأعضاء المتخصصين فى العلوم الشرعية والمالية والإدارية والاقتصادية والقانونية المؤسَّسة والمُؤصَّلة على الفكر الإسلامي، للعمل على تطوير ودعم صناعة التمويل الإسلامي؛ ليس فى مصر فقط، بل فى العالم كله، لمن يحتاج إليه، ولهذا فهى تسعى لتعزيز الوعي، والتطبيق الصحيح للمعاملات المالية الإسلامية، والإسهام فى علاج المشكلات الاقتصادية فى مصر والعالم من منظور إسلامي، عن طريق إثراء البحث ونشر المعرفة الاقتصادية والمساهمة فى بناء ودعم المؤسسات المالية والاقتصادية والرقابية فى مختلف الجوانب، وتأهيل الكوادر اللازمة لتطبيق المصرفية الإسلامية، وتكوين قاعدة معلومات تتعامل حول التمويل الإسلامي.
واستعرض الدكتور البلتاجى مفاهيم وآليات تطبيق الصكوك وفقــًا لقـانون ســوق رأس المال رقم 17 لسنة 2018، واللائحــة التنفيذية للقــانون الصــادرة بتاريخ 22/11/2018، وقرارات مجلس إدارة الهيئة العامة للرقابة المالية بشأن الصكوك، حيث تم تعريفها بأنها أوراق مالية اسمية متساوية القيمة، تصدر لمدة محددة، تمثل كل منها حصة شائعة فى ملكية أصول أو منافع أو حقوق أو مشروع معين أو حقوقه أو التدفقات النقدية له، وفقًا لما تحدده نشرة الاكتتاب العام أو مذكرة المعلومات بحسب الأحوال، كما أوضح، رئيس مجلس إدارة الجمعية المصرية للتمويل الإسلامى الفروق الجوهرية بين كل من الصكوك والأسهم والسندات.
مستقبل واعد
أكد الدكتور خالد النشار، نائب رئيس هيئة الرقابة المالية بمصر، فى الكلمة التى ألقاها نيابة عن رئيس الهيئة الدكتور محمد عمران، أنه فى ضوء التعديلات الأخيرة بقانون سوق المال، والذى تضمَّن الصكوك بتعديلاته الأخيرة وصدور اللائحة التنفيذية مؤخرًا، سيكون مستقبل الصكوك فى مصر واعدًا، وسيكون ناجحًا ومُبهرًا وجاذبًا للمستثمرين من الداخل والخارج، لأنه سيُوفِّر لهم جميع التسهيلات، كما أنه يسعى إلى حل أى مشكلة تواجههم لتشجيعهم على الاستثمار.
وأوضح النشار أن مجلس النواب ناقش قوانين عديدة خاصة بالهيئة العامة للرقابة المالية، منها قانون استقلال الهيئة، وقانون التمويل الاستهلاكي، كما أن مجلس الهيئة أوضح أن هناك مشروع قانون جديدًا يتحدث عن المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومُتناهية الصِّغَر.
واستطرد قائلًا: «إننا لو رجعنا إلى مسألة تنظيم قانون 95 بشأن إصدار الصكوك وإلغاء قانون 10 لسنة 2013 لأنها ورقة مالية، فسنجد كيف نظَّم القانون إصدار الصكوك والجهات المستفيدة منه، وحجم الصك، وغيره».
أداة تمويلية ناجحة
بدوره، أوضح الدكتور محسن عادل، رئيس الهيئة العامة للاستثمار سابقاً، أن أى زيادة فى الأدوات التمويلية ستتبعها زيادة فى رؤوس الأموال المستثمرة بشكل عام، كما أن نجاح إصدار الصكوك كأداة تمويلية يُساعد على جذب رؤوس أموال جديدة للاستثمار بالسوق المحلية، مشيرًا إلى أن السؤال الأهم الذى يطرحه المستثمر الخارجى حال رغبته فى الاستثمار بدولة ما، هو كيفية التمويل، ومن ثَمَّ فإن التوجه لإيجاد أدوات تمويلية جديدة يُعَدُّ أهم عوامل الجذب للمتعاملين وتشجيع الاستثمار.
وأكد رئيس الهيئة العامة للاستثمار أن تجارب النجاح لا تأتى فقط بتكامل التشريعات والإجراءات، ولكنها تأتى بشكل رئيسى من وجود نوع من أنواع الثقة، فالصكوك اليوم من أنشط أدوات التمويل على مستوى العالم، فمن يُرِدْ أن يتكلم عن الصكوك لن يتكلَّم عنها بمنطق أنها أداة تمويل إسلامي، ولكنها كنموذج تمويل فريد من نوعه، وهى مبنية على وجود نوع مُخاطرة بعمل مشاركة، أو أشكال مختلفة فيها، ومعنا الأب الروحى لها فى مصر الدكتور محمد البلتاجي، فالفكرة كانت تقول ببساطة إننا نُطوِّر أداة تمويل جديدة فى السوق، سبق تطبيقها فى دول الخليج، ويرى البعض أنهم يطرحون بعض الطُّرُوحات، ولكن حجم التداول ضعيف لأن الناس يحتفظون بالصكوك إلى نهاية مدة عمرها مع خلو وجود سوق سنوي، وقد يكون وجود سوق إصدار، ولكنه غير نشط، وعدم وجود السوق السنوى يُحقِّق خطورة كبيرة فى عمليات استخدام الأدوات الجديدة.
وضع أفضل
تناول الأستاذ الدكتور محمد عبد الحليم عمر، أستاذ المحاسبة بجامعة الأزهر، والمدير السابق لمركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامي، الصعوبات التى واجهت مسيرة الصكوك فى مصر، حيث أشار إلى أن التقلبات السياسية والاقتصادية التى حدثت خلال السنوات الماضية، أدَّت إلى تأخُّر مصر فى بلورة إصدار قانون متكامل للصكوك، أما الآن فالوضع أفضل، حيث تمَّت دراسة تجارب الآخرين والاستفادة منها، مما سيعوِّضها «نسبيًا» عن التأخير، حيث يُؤمن صُنَّاع القرار الحاليون بأهميتها، ومع هذا يصعب تحديد نوع الصكوك الذى سيطغى على الإصدارات محليًا خلال الفترة المقبلة، لأنه يعتمد على المشروعات التى سيتم طرحها.
وأوضح الدكتور عمر أنه ليس بالضرورة أن يسير السوق المحلى على درب نظيره العالمى الذى تحظى صكوك الإجارة على النسبة العُظمى به، كما أن صكوك المرابحة عادةً ما تكون قصيرة الأجل، فى حين ترتبط الإجارة بمشروعات طويلة الأجل، كما أن البنوك مطالبة بالتنويع بين جميع إصدارات الصكوك لتتشكَّل محفظة الأوراق المالية من صكوك المرابحة، والإجارة، والسلم، فضلًا عن أهمية تباين فترة استحقاق تلك الصكوك، بحيث لا يتم الاعتماد على قصيرة الأجل منها فقط، ومن المتوقع أن تستحوذ الإصدارات الحكومية على النسبة الكُبرى من الصكوك التى يتم طرحها فى بداية إصدار القانون، لأن ثقة المستثمر فى الحكومة غالبًا ما تكون أكبر من الشركات الأخرى، وخاصة فى البدايات.
ضوابط شرعية
أكد الشيخ جمال قطب، الرئيس السابق للجنة الفتوى بالأزهر، أن مجامع الفقه الإسلامى أجازت صكوك الاستثمار الإسلامية، وقامت بوضع مجموعة من الضوابط الشرعية التى تحكم إصدارها، وتداولها، كما استنبط فقهاء المؤسسات المالية الإسلامية معايير قياس عوائدها أو أرباحها التشغيلية والرأسمالية، وكذلك كيفية توزيع تلك العوائد بين أصحاب هذه الصكوك والجهة المصدرة لها، وأى جهة أخرى أسهمت فى عمليات إصدار الصكوك وتداولها من حيث الترويج والتسويق، وتقديم الضمانات، وغير ذلك من موجبات التعامل بها.
خصائص مميزة
خلال جلسات المؤتمر قام المتحدثون بتوضيح الخصائص التى تُميِّز الصكوك عن غيرها من أدوات الاستثمار الأخرى، فأوضحوا أنها تمثل حصة شائعة فى ملكية أصول أو منافع أو خدمات يتعيَّن توفيرها، ولا تُمثِّل دَيْنًا على مصدرها لحاملى الصكوك، كما أنها وثائق تصدر باسم مالكها بفئات متساوية القيمة، وتصدر وتتداول وفقًا للشروط والضوابط الشرعية، وتقوم على مبدأ المشاركة فى لربح والخسارة، وأرباحها من ناتج نشاطها، ولهذا فإن هناك حاجة اقتصادية ومالية لإصدارها؛ لأنها تساعد على زيادة معدلات الادِّخار القومى من خلال قُدرتها على تعبئة المُدَّخرات، خاصة لدى صغار المُدَّخرين، وتناسب شريحة كبيرة من المتعاملين لأسباب تتعلق بتملُّكهم لموجودات حقيقية وتحقيق عوائد غير ثابتة، وتُعَدُّ بديلًا آخر لتوفير متطلبات السيولة لدى قطاع كبير من المستثمرين، سواء لمشروعات قائمة، أو لمشروعات جديدة، دون أن يكون مُلتزمًا برَدِّ أصل المبلغ وأرباحه، بغض النظر عن نتيجة الأعمال، كما أنها تساعد الدولة فى الحد من عجز الموازنة من خلال توفير التمويل اللازم للمشروعات التنموية والاستثمارية، مما يُؤدِّى لتنشيط التداول فى سوق المال، وتُعَدُّ حلًا أمثل لاستغلال فوائض السيولة فى البنوك الإسلامية.
وناقش المشاركون واقع الصكوك على المستوى العالمى وأهميتها كإحدى أهمِّ الأدوات الاستثمارية فى مصر، ودورها فى التنمية، وأهم بنود الصكوك فى قانون سوق المال المصرى واللائحة التنفيذية الصادرة بتاريخ 11/22/ 2018، كما تناولوا الجوانب التطبيقية لإصدار الصكوك ودور شركات التصنيف الائتمانى فى عملية الإصدار، والجوانب المحاسبية للصكوك خلال دورة حياة الصك، ومخاطر إصدار الصكوك والرقابة عليها.
اتساع شريحة المستثمرين
من ناحية أخرى، كشف حاتم الدمرداش، المدير التنفيذى والعضو المنتدب لمصرف أبو ظبى الإسلامى كابيتال، أنه تم تدبير تمويلات بقيمة 30 مليار جنيه منذ عام 2014، وجميعها إسلامية، وكانت فيها تمويلات لمشروعات بعينها تكون المخاطر فيها مرتبطة بالمشروع فقط، ولهذا فإن للمصرف دورًا فى دعم إصدار الصكوك فى مصر، مشيرًا الى أن هناك شريحة كبيرة تُفضِّل الاستثمار فى أدوات مالية متوافقة مع الشريعة، كما أن عمليات التوعية والترويج داخل وخارج مصر خلال الفترة الماضية، اتَّسعت معها شريحة المستثمرين المهتمة بالمعاملات الإسلامية.
تجارب عربية
كانت نقطة استعراض عديد من التجارب الدولية فى مجال إصدار الصكوك فى غاية الأهمية خلال المؤتمر، وذلك بغرض تحقيق أكبر قدر من الاستفادة منها بمصر، وعدم تكرار الجهود وتجنُّب التحديات والمخاطر التى مرَّت بها تلك الدول، وفى هذا النقطة تحديدًا، استعرض الدكتور عمر الأنصاري، الأمين العام لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية (أيوفي) التجربة الرائدة للبحرين، باعتبارها من أُولى التجارب العربية، وأثَّرت وتأثَّرت بالتجارب المختلفة فى دول الخليج، وخاصة دولة الإمارات العربية المتحدة، التى لها باع طويل فى مجال البنوك الإسلامية وتطبيقات الصكوك، وتطوَّر الأمر إلى قيامها مؤخرًا بإصدار تشريع يقضى بضرورة التزام جميع البنوك الإسلامية والنوافذ الإسلامية - فى المصارف التقليدية والشركات المالية التى تُقدِّم منتجات وخدمات متوافقة مع الشريعة الإسلامية - بمعايير هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية اعتبارًا من أول سبتمبر فى عام 2018، مما أدَّى إلى استمرار النمو فى مجال الاستثمارات الحلال، ولهذا تم وضع قواعد تنظيمية تُشجِّع على توحيد ومُواءمة الممارسات المالية الإسلامية الدولية والتقارير المالية وفقًا لأحكام الشريعة.
وأوضح الأنصارى أن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية (أيوفي) تعمل بشكل وثيق مع المؤسسات العاملة فى مصر لتطوير واقع الصناعة المصرفية الإسلامية وتوحيد الممارسات فيها، خاصة أن السوق المصرى منفتح تمامًا على الفرص المتاحة فى مجال العمل المصرفى والمالى الإسلامي، كما أن الجميع يتوقع مستقبلًا واعدًا للصكوك فى مصر.
نماذج إفريقية
أضاف الأنصارى أن هناك عدَّة دُول إفريقية سعت إلى تطوير منظومتها المالية لجذب المستثمرين، حيث قامت هذه الدول بإصدار قوانين خاصة بسوق الأوراق المالية وتطوير آليات عمل هذه القوانين لجذب مزيد من المستثمرين، وتهدف هذه الدول من خلال هذه الإجراءات إلى الحصول على تمويلات ضخمة لتنفيذ مشاريع تنموية تتعلق بالبنية التحتية، إضافة إلى مشاريع زراعية وصناعية تحقق عوائد اقتصادية لهذه البلدان، وتمكنها من تخفيف حجم البطالة والفقر بين فئات المجتمع.
واستشهد الأنصارى بتجربة نيجيريا، مشيرًا إلى أنها تُعتبر إحدى الدول الإفريقية الرائدة فى مجال الصكوك، وذلك لخبرتها فى مجال المالية الإسلامية، مقارنة بالدول الإفريقية الأخرى، حيث صدر القانون المنظم للاستثمار الإسلامى عام 2007، ثم تبعه القانون المنظم للصكوك فى 2013، وهى أول سنة تُطلق فيها الحكومة النيجيرية صكوكًا بقيمة 100 مليار نيرة.
وبين الأنصارى أن تجربة الصكوك جذبت كثيرًا من المستثمرين، وأنعشت البورصة النيجيرية، ومكَّنت الحكومة من الحصول على السيولة اللازمة لتنفيذ عديد من المشاريع التنموية، والتى تسعى إلى تطوير القوة التنافسية للاقتصاد النيجيري، وإحدى الأدوات الرئيسية لتنفيذ هذه الخطة كانت الصكوك، حيث إنها الوسيلة القادرة على خلق سيولة تكفى لتنفيذ مشاريع البنية التحتية.
التجربة الماليزية
أوضح الدكتور أكرم لال الدين، رئيس مجمع البحوث الفقهية (ّISRA - ماليزيا)، أن تجربة الصكوك فى بلاده تُعَدُّ من أنجح التجارب عالميًا؛ لأن الحجم العام للصكوك فى بلاده التى تُعَدُّ الأُولى عالميًا، بلغ نحو 42.7 مليار دولار بنسبة 38 % من إجمالى الإصدارات العالمية، تليها السعودية، ثم الإمارات، ثم إندونيسيا، والبحرين، وتم تنفيذ خطة فريدة من حيث الإطار الشرعى والقانونى والرقابي، بحيث يمكن أن تستفيد بها أى دولة فى العالم، كما أن هناك عديدًا من التطورات التى طرأت على آليات تطبيق الصكوك، منها إصدار «الصكوك الخضراء» التى تسعى لتمويل مشروعات الطاقة المتجددة والاستثمار المُستديم فى ظل التطور الكبير فى الاستثمارات المتجددة والنظيفة، والتى ارتفعت فى الولايات المتحدة الأمريكية بنسبة 50 % عام 2018 مقارنة بـ2008، ولهذا فإن مصر يمكنها الاستفادة من تجربة ماليزيا فى عمليات إصدار الصكوك التى استفاد منها عديد من دول العالم، ومنها نيجيريا التى يتم فيها تنفيذ عديد من المشروعات الكُبرى عن طريق الصكوك.
تفاعُل أُردني
وعودةً إلى التجارب العربية الناحجة فى مجال إصدار الصكوك، وتحديدًا فى دولة الأردن، والتى تحدَّثت عنها الدكتورة هناء محمد هلال الحنيطي، عميدة كلية المال والأعمال بجامعة العلوم الإسلامية العالمية بالأردن، مشيرة إلى الدور الكبير للصكوك الإسلامية فى التنمية الاقتصادية بالأردن، واهتمام القيادات الأردنية بإنجاح التجربة، وذلك بالبحث عن بديل تمويلى يتوافق مع أحكام الشريعة، وقد أسهمت الصكوك فى تمويل عديد من المشروعات الكُبرى التابعة للحكومة الأردنية، وأثبتت نجاحها، وتفاعل معها الأردنيون، وأقبلوا عليها، بفضل حملات التوعية بها، كما قامت المؤسسات الدينية فى الأردن، ممثلة فى وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية ودار الإفتاء، بدور كبير لبثِّ الطمأنينة لدى الناس حول الصكوك الإسلامية.
توصيات المؤتمر
فى نهاية جلسات الندوة أجمع المشاركون على عدد من التوصيات المهمة، وجاء فى مقدمتها: ضرورة تطوير البنية المؤسساتية للمؤسسات المالية المصرية العاملة فى مجال إدارة محافظ الأوراق المالية، وإدارة الأصول، وترويج وطرح الاكتتابات لاحتواء تطبيقات الصكوك المختلفة، فضلًا عن ضرورة التأهيل السريع للكوادر البشرية المعنية بمراحل تطبيقات منظومة الصكوك، وصقل مهاراتهم بأحدث المعارف والأدوات المهنية فى هذا المجال.
كما أوصى المشاركون فى المؤتمر بضرورة تجهيز وتطوير نُظُم المعلومات المتخصصة لإدارة عمليات طرح وتداول الصكوك ومتابعة محافظ الصكوك المختلفة، وإجراء التسويات المالية اللازمة، وذلك من خلال التعاون مع الجهات الدولية المانحة، مثل البنك الإسلامى للتنمية، وأهمية إجراء تقييم المخاطر لجميع مراحل تطبيقات الصكوك المختلفة، ووضع خطة فعَّالة للتعامل معها، وضرورة تطوير نظام تصنيف ائتمانى للصكوك يُراعى الطبيعة المختلفة لكل نوع من أنواعها، ويستخدم أفضل الممارسات الدولية فى هذا الشأن بما يسمح بتحقيق الشفافية اللازمة للجدارة الائتمانية لها لدى جميع المستثمرين.
كما اتَّفق المشاركون على أهمية نشر الوعى المُجتمعى والمهنى بالأداة المالية الجديدة وتطبيقاتها بين أوساط المجتمع المختلفة، مع التركيز على أصحاب المصلحة الفعليين ودورهم المهم فى نجاح التكامل بين أطراف المنظومة، وذلك من خلال ترتيب لقاءات بين الهيئة العامة للاستثمار وهيئة الرقابة المالية والجمعية المصرية للتمويل الإسلامي، لشرح آلية إصدار الصكوك وكيفية عملها حتى مرحلة التصفية، والتأكيد على تحقيق السلامة الشرعية للصك منذ إصداره حتى تاريخ الإطفاء، ومُراعاة التوازن بين الشركاء فى دورة إصدار الصكوك من خبراء شرعيين وقانونيين وماليين ومصرفيين.
ونادى المشاركون بالتأكيد على كون الصكوك حصصًا شائعة فى ملكية أعيان أو منافع أو خدمات يجب نقلها نقلًا حقيقيًا لحملة الصكوك، وربط عوائد الصكوك وفقًا لقاعدة «الغُنم بالغُرم»، وعدم التعهُّد بِرَدِّ الصك بالقيمة الاسمية فى تاريخ الإطفاء، ومنح حوافز لكل من مصدر الصك ومالكه، حتى يتم الإقبال على هذه الأداة المهمة، وأهمية التوافق مع ما يصدر من معايير عن الهيئات الدولية المتخصصة فى الصناعة المالية الإسلامية، وهيئات التصنيف الدولية بما لا يُخالف الضوابط الشرعية والتشريعية، والالتزام بحماية العملاء (حملة الصكوك) من مخاطر الأداة المالية الجديدة، ومُراعاة اعتبارات الإفصاح الشامل والعادل عن مشروع التصكيك فى نشرة الاكتتاب، وجميع مُستندات عمليات التصكيك.