
عقد المجلس الشرعى لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية أيوفي بين عامى 2007 و2008 عدَّة اجتماعات لبحث ودراسة موضوع إصدار الصكوك، وذلك بسبب انتشارها عالميًا، ولكثرة ما أُثير حولها من تساؤلات وملاحظات وانتقادات، وقد قُدِّمت عدَّة أوراق وبحوث حول الموضوع فى حينها، لعل أبرزها ورقة رئيس المجلس فضيلة الشيخ محمد تقى عثمانى، بعنوان االصكوك وتطبيقاتها المعاصرة.
قدَّم المجلس الشرعى لأيوفي مجموعة من التوصيات للمؤسسات المالية الإسلامية والهيئات الشرعية، بعد اطِّلاعه ومناقشته للأوراق والبحوث المقدمة، وقد تناولت التوصيات جوانب عدَّة متعلقة بضوابط إصدار الصكوك، مثل تمثيلها لملكية حَمَلَتها، وأن تكون ملكية فى مُوجَدات حقيقية، ومنها ما يتعلق بمدير الصكوك، سواءً كان شريكًا، أو مُضاربًا، أو وكيلًا بالاستثمار، ومنها ما هو خاص بالمستأجر فى صكوك الإجارة.
توصية أخرى مهمة قدَّمها مجلس اأيوفىب الشرعى – وهى موضوع هذا المقال – تتعلَّق بالدور الرقابى للهيئات الشرعية، حيث تضمَّنت التوصية ألا تكتفى تلك الهيئات بإصدار فتوى جواز هيكلة الصكوك، بل لا بد من تدقيق العقود والوثائق ذات الصلة، ومراقبة تطبيقها للتحقق من توافقها فى مراحل التنفيذ المختلفة.
ومن وجهة نظرنا، فإن التركيز الأكبر حاليًا هو على مسألة إصدار الفتوى، وإن الرقابة على الجانب التطبيقى فى الصكوك غير كافية، حيث إن هناك حاجة لتلبية متطلبات الحوكمة الشرعية بأسلوب مهنى، لتشتمل على وظائف مهمة، مثل التدقيق الشرعى الداخلى، الذى يتضمَّن مراقبة لاحقة لعمليات التنفيذ للتأكد من توافقها مع الضوابط الشرعية، ومثل التدقيق الشرعى الخارجى من خلال مكتب تدقيق معتمد لمراجعة هيكل إصدار الصك، وإبداء الرأى الشرعى بشأنه، بالإضافة إلى الأدوات الأخرى التى تدعم وجود بيئة رقابية فعَّالة تحُدُّ من المخاطر، مثل أنظمة التقارير الدورية، وأدلَّة السياسات وإجراءات تصعيد الملاحظات، فى حالات الوقوع فى مخالفات ومتابعة الإجراءات التصحيحية.
إن وجود نظام رقابى فعَّال يُعزِّز الإفصاح والشفافية فى مثل هذا النوع من المعاملات، وهو من وجهة نظرى مهم جدًا لارتباطه بالالتزام بالضوابط الشرعية، ونستعرض فيما يلى على سبيل المثال بعض النقاط التى يتناولها التدقيق على الصكوك بشكل عام، للتعرف على أهمية أعمال التدقيق الشرعى وارتباطها الوثيق بالتحقق من صحة المعاملات شرعيًا من جهة، والتأكد من عدم صوريتها، وهو من أهم الانتقادات الموجهة للصكوك:
أولًا: فيما يخص هيئة الرقابة الشرعية، ينبغى التأكد من أن تعيين هيئة الرقابة الشرعية من مختصين شرعيين مؤهلين، مع ضرورة التأكد من مراجعة واعتماد الهيئة لجميع الاتفاقيات والمستندات الخاصة بالصكوك، بالإضافة إلى التأكد من عرض واعتماد الهيئة لأى تعديل تم إجراؤه على الاتفاقيات والمستندات المعتمدة.
ثانيًا: هناك نقاط متعلقة بالنشاط تتمثَّل فى ضرورة التأكد من طبيعته وتوافقه مع الضوابط الشرعية، وما إذا كانت طبيعة الصكوك قابلة للتداول أم لا.
ثالثًا: بشأن نشرة الإصدار، يجب التأكد من ذكر نسبة السيولة والأصول فى محفظة الصكوك، والتأكد من شرح الهيكل الخاص بالصكوك وخطوات التنفيذ فى تلك النشرة، والتأكد من تضمنها للشروط التعاقدية والأطراف ذات الصلة، مثل المصدر، والمدير، والمنظم، وأمين الحفظ، والوكيل، والتأكد من بيان طبيعة العقود المستخدمة ضمن عمليات الصك، وعدم النص على ضمان القيمة الاسمية للصكوك إلا فى حالات التعدى والتقصير، وأن استرداد صكوك المشاركة والمضاربة من قبل المصدر قبل الاستحقاق، هل يتم بسعر السوق أو السعر المتفق عليه؟
وفى حال صكوك الإجارة يجب التأكد من أن تعهُّد المستأجر للأصول بشرائها سيتم بالقيمة الاسمية على ألا يكون شريكًا أو وكيلًا، وعدم منح مدير الصكوك، أو الشريك، أو الوكيل، لأى قرض لحامل الصك لتغطية النقص فى العائدات.
وبشكل عام، تمثل النقاط السابقة بداية عامة لتكوين تصور عن موضوع التدقيق، مع العلم بأنه بحسب طبيعة كل صك يتم استخدام برنامج التدقيق الشرعى المناسب له.
وإضافة إلى المعايير الشرعية ومعايير الضبط الصادرة عن اأيوفيب وقرارات المجمع الفقهى والجهات المختصة الأخرى حول الصكوك، فقد قامت الجهات التشريعية فى بعض الدول بإصدار تشريعات وأنظمة حوكمة خاصة بالمؤسسات المالية الإسلامية ومنتجاتها، بما فى ذلك الصكوك، ويُعد ذلك تطورًا مُبشِّرًا.
مقال د.ياسر دهلوي
( رئيس دار المراجعة الشرعية )