
قفزات هائلة، وطفرات مُتلاحقة، وانتشار مُتزايد، يشهدها التمويل الإسلامى على مستوى العالم، تعكسها مؤشرات السوق العالمية.. وبلُغة الأرقام تضاعفت أصوله خلال السنوات القليلة الماضية لتصل إلى نحو 3 تريليونات دولار.. ويتوقع نموه إلى 3.8 تريليون دولار عالميًا بحلول عام 2023م، منها 2.44 تريليون دولار كأصول للمصارف الإسلامية.
وبخطوط الجغرافيا تجاوز حدود نشأته فى الدول الإسلامية، ليُصبح نصف الدول التى تتعامل به من بلدان غير إسلامية.. وبحسابات السوق والمستهلك فقد تخطَّى عدد عملائه 100 مليون.. وبمؤشرات النمو يفوق بنسبة الضعف نظيره التقليدي.
إنها لُغة الأرقام وحدها التى تعكس حقيقة قصص نمو ونجاح التمويل الإسلامى التى أدهشت العالم.. لُغة لا يمكن معها التلاعب بالحقيقة، ولا تُجدى معها الاحتمالات. وحتمًا، فإن لهذا النجاح والانتشار الواسع الذى يشهده التمويل الإسلامي، عوامل وأسبابًا لا تُخطئُها أعين خبراء الاقتصاد، وتكشفها حسابات السوق ودراسات الباحثين، والتى نستعرض بعضًا منها فى هذا التقرير.. وإلى التفاصيل.
التمويل والمصرفية
كشفت الدراسات التى تناولت صناعة التمويل الإسلامى عن تطوره وانتشاره بشكل جعله يُنافس نظيره التقليدي، بل تفوَّق عليه فى كثير من معدلاته. والبداية من تقرير اواقع الاقتصاد الإسلامى العالمى 2018-2019ب الصادر عن مركز دبى لتطوير الاقتصاد الإسلامي، والذى أكد أن التمويل الإسلامى يشهد نموًا مستمرًا حول العالم، حيث قُدِّرت قيمة أصوله بنحو 2.4 تريليون دولار بنهاية عام 2017، ووصل إلى حوالى 3 تريليونات فى عام 2019، ومن المتوقع أن ترتفع إلى 3.8 تريليون دولار بحلول عام 2023.
وحسب تقرير بنك دبى الإسلامي، سجَّل مركز دبى المالى العالمى نموًا كبيرًا فى حجم الأصول المالية الإسلامية المُدارة فى المركز، بنسبة بلغت 45 % خلال الفترة بين الربع الثانى من 2018، والربع الثانى من 2019، وبسرعة نمو أكبر بـ1.5 مرة من سرعة نمو التمويل التقليدي. كما أظهرت النتائج المالية للربع الثالث من عام 2019 ارتفاع صافى أرباح مجموعة بنك دبى الإسلامى إلى 4.0250 مليون درهم، بزيادة نسبتها 8 %على أساس سنوي. كما تُعد دبى واحدًا من أكبر المراكز العالمية لإدراج الصكوك بقيمة تُعادل 62 مليار دولار، حيث تُدير بورصة اناسداك دبيب فى مركز دبى المالى نحو 60 مليار دولار منها. ولقد أصبح مركز دبى المالى العالمى وجهة جاذبة للشركات الناشئة المتخصصة فى التكنولوجيا المالية الإسلامية، لترسخ مكانة دولة الإمارات، التى تُعد رابع أكبر مركز للتكنولوجيا المالية الإسلامية فى العالم.
كما تتصدَّر منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا وجنوب آسيا معدلات النمو فى قطاع التمويل الإسلامي، حيث تستأثر آسيا على حصة قدرها 18.7 % من الأصول الإسلامية وإفريقيا 0.8 %، بينما تُسيطر أسواق أوروبا وأمريكا وأستراليا على حصة تبلغ 1.7 % من الإجمالي.
وقد وصل حجم الأصول المالية خليجيًا إلى نحو تريليون دولار، إضافة إلى الصكوك المُصدرة. وحسب اوكالة موديز للتصنيف الائتمانيب فإن حجم التمويل الإسلامى فى المملكة هو الأعلى على مستوى العالم، وإن معدل انتشاره فى السعودية يزيد ليسجل حوالى 80 % من إجمالى التمويلات خلال عام 2019، مقارنة بنحو 77 % خلال عام 2018، نظرًا لتزايد الطلب من قبل الشركات والأفراد على تلك التمويلات؛ حيث بلغ حجم التمويل الإسلامى فى المملكة حوالى 299 مليار دولار فى مارس 2019، لتتفوَّق بذلك على ماليزيا، التى احتلت المركز الثاني، عند 134 مليار دولار.
كما قارب عدد عملاء المصارف الإسلامية حول العالم 100 مليون عميل اوفقًا لتقرير التنافسية العالمية للمصارف الإسلامية 2016ب، ومع ذلك لا تزال 75.12 % من قاعدة العُملاء المحتملة للتمويل الإسلامى غير مستغلة، حيث لا يزال هذا القطاع قادرًا على استيعاب مزيد من المتعاملين عربيًا ودوليًا.ت
الصكوك
أعلنت السوق المالية الإسلامية الدولية (IIFM) فى تقريرها المالى الصادر فى 2019 حول الصكوك، أن حجم الإصدار الدولى من الصكوك فى عام 2018 بلغ ما قيمته 123.2 مليار دولار، أى إنه قد حقَّق ارتفاعًا بنسبة 5.5 % عن إصدارات عام 2017، والتى سجَّلت 116.7 مليار دولار. وتمتلك ماليزيا والسعودية والإمارات وإندونيسيا والبحرين ما نسبته 90.44 %، وذلك يُساوى 443.78 مليار دولار من الصكوك القائمة والجديدة من إجمالى الإصدارات فى العالم، يليها فى المرتبة باكستان، وعمان، وأجزاء من إفريقيا.
ووفقًا لتقرير المركز الدولى للتمويل الإسلامى الماليزي، والذى صدر فى 5 أغسطس 2019، فقد تخطَّت إصدارات الصكوك كل التوقعات فى النصف الأول من عام 2019، وقد كانت التوقعات أن يكون الإصدار السنوى للصكوك قرابة 100 مليار رينجيت ماليزي، وقد حققت الصكوك فى الربع الثانى فقط من عام 2019 إصدارات بقيمة 73.8 مليار رينجيت ماليزي.
التكافل
وفقًا لما ورد فى تقرير تطوير المالية الإسلامية الصادر عن منتدى التكافل العالمى فى أغسطس 2019، فإن حجم الأصول المستخدمة فى التكافل وإعادة التكافل فى نهاية 2018 يصل إلى 46 مليار دولار أمريكي، والذى يمثل 2 % من حجم المالية الإسلامية إجمالًا، كما بلغ عدد شركات التكافل على مستوى العالم 324 شركة موزعة على 47 دولة.
وأوضح تقرير بنك نيجارا ماليزيا فى تقرير الاستقرار المالى الصادر عن أعمال النصف الأول من عام 2019، أن التكافل تبلغ أصوله 12.9 مليار رينجيت ماليزي، وقد حقق معدلات تصل إلى 230 % من معدلات كفاية رأس المال.
صناديق الاستثمار الإسلامية
تمثل صناديق الاستثمار الإسلامية ثالث أكبر الأصول المُدارة بالتمويل الإسلامى عالميًا، بنسبة تُقدَّر بـ4 % من إجمالى تلك الأصول. وتُعَدُّ هذه الصناديق إحدى أهم الآليات الاستثمارية الرائجة فى الأسواق المالية الدولية، باعتبارها أدوات مالية وأوعية استثمارية جديدة لها تأثيرها فى جذب المدخرات وتشجيع الاستثمار.
وتهدف هذه الصناديق إلى تجميع أموال المدَّخرين بغرض استثمارها فى الأوجه والمجالات التى تتَّفق مع أحكام الشريعة الإسلامية، للحصول على ربح حلال، وفق عقد المضاربة، الذى تتمثل أطرافه فى إدارة الصندوق الذى يقوم بالعمل بين المُكتتبين فيه، والذين يمثلون ربَّ المال، فيدفعون مبالغ نقدية معينة إلى إدارة الصندوق التى تُعطى لهم صكوكًا معينة، تمثل لكل منهم حصة شائعة فى رأس المال، الذى تقوم الإدارة باستثماره عن طريق صيغ الاستثمار الشرعية المختلفة، وتوزيع الأرباح المحققة حسب نشرة الاكتتاب الملتزم بها كلا الطرفين، وإن حدثت خسارة تقع على المُكتتبين؛ بصفتهم أصحاب المال، ما لم تُفرِّط إدارة الصندوق، وإن فرَّطت يقع الغُرم عليها.
ولا يقتصر نشاط صناديق الاستثمار الإسلامية على دور الوسيط بين المُدَّخرين والشركات الأخرى، أو الاستثمار غير المباشر، المتمثل فى تكوين محافظ للأوراق المالية، كما هو الحال بالنسبة لصناديق الاستثمار التى تُنشئها شركات الاستثمار والبنوك التجارية التقليدية، وإنما يشمل الهيكل التمويلى لها، تكوين محافظ الأوراق المالية وإدارتها وفق ضوابط الاستثمار الإسلامي، والدخول فى عمليات استثمارية مباشرة فى مجالات مختلفة من قطاعات النشاط الاقتصادي. وقد بلغ حجم الصناديق الاستثمارية الإسلامية 110 مليارات دولار عام 2018 بنمو سنوى 16 %، يخص منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا 48 %، ومنطقة آسيا المحيط الهادى 33 %، وباقى المناطق 19 % حسب تقرير ماركتس آند ماركتس.
وظلَّت ماليزيا مُحافِظَةً على وضعها بترؤس القائمة فى هذه الصناعة، حتى نهاية 2018، حيث استحوذت على نحو 40 % من إجمالى الأصول، ولتأتى المملكة العربية السعودية فى المرتبة الثانية بنسبة 30.2 %، ثم جاءت مُدُن ليست إسلامية، مثل جيرسي، ولكسمبورج، وهذا مؤشر يُنبئ بانتشار ورواج هذه السوق على أوسع نطاق.
ولم يقتصر التمويل الإسلامى على بيئته العربية والإسلامية، بل أصبح محط أنظار العالم، حيث تدرس وكالة الخدمات المالية اليابانية تخفيف القواعد التنظيمية للسماح للبنوك فى اليابان بتقديم منتجات مالية إسلامية فى سوقها المحلية، وذلك للمرة الأولى.
وقد وقَّعت وكالة التعاون الدولى اليابانية اتفاقًا مع ذراع القطاع الخاص للبنك الإسلامى للتنمية لابتكار معاملات تتوافق مع الشريعة الإسلامية مع التركيز على الصكوك؛ حيث بدأ ابنك أوف طوكيو – ميتسوبيشى يو. إف. جيهب إصدار صكوك. واعتبر البنك فى بيان لـارويترزب تلك الخطوة تطورًا إيجابيًا، مُعبِّرًا عن رغبته فى مزيد من التطور للسوق الإسلامية على مستوى العالم. وقال البنك إنه يدرس الآن تقديم خدمات مالية إسلامية من خلال فرعه فى دبي، وينتظر الموافقة التنظيمية.
د.نوال عبدالمنعم
أ.إبراهيم نبيل